Monday 26 August 2013

حول إشكالية القيادة الادارية في المجتمع النامي

 من الغريب أن نعلم بأن عدم تطور مفهوم القيادة الادارية و بالتالي ممارستها في المجتمع النامي يعود الى ان معظم وقت القائد يذهب في توجيه أعضاء فريق العمل نحو رؤية المؤسسة. لكن المضحك المبكي في أن واحد هوعندما يكاد ان يتعلم منه الاخرون معنى الرؤية المؤسساتية و كيفية تنفيذها يكون الاوان قد فات ...اذ لا تجد القائد في منصبه! والسبب حسب رأيي عادة يعود لأمرين أثنين، فاما من هو أعلى من القائد نفسه يفتقر الى ثقافة الرؤية وعليه لا يسمح أن يوضع موضع الحرج أو أن يتم تهديد سكينة عمله وعليه تراه يقرر التخلص من القائد بطريقة أو أخرى, و إما وهو الاكثر مدعاة للسخرية أن المرؤوس ولضعف امكاناته الذهنية و الفنية وأيضا عدم احتماله لضغط التعلم و ضريبة التجدد كذلك عدم توافق عاداته الشخصية و ثقافته مع العادات و الثقافة المهنية المطلوبة يولد نوع من مقاومة التغيير المنظمة ثم ما يلبث أن تجده يقفز الى أعلى السلم كي يتقدم بشكوى على مسؤوله اي القائد. تلك الشكوى الممثلة بقائمة من التهم أولها "مديرنا لايفقه شيئا في ادارة العمل" و أخرها و الله يحفظنا منها "أستاذ، يمكن مديرنا شوية مو تمام! "

ويسالني زميل لي و هو صحفي مرموق في أحدى القنوات الفضائية العربية المعروفة قائلا: "تحليل منطقي جدا دكتور ,, ولكن هناك مشكلة اخرى الا وهي انه حتى بعض القادة وان تعلموا فنون القيادة على اصولها في مجتمعات تحترم القيادة وتعلمها لطلابها ينسى القائد كل ماتعلمه ويصاب بنفس الفايروس عندما يعود الى ارض الاجداد وذلك سيمكنه من الاستمرار في منصبه ومسايرة الاوضاع ,, والبديل عن ذلك هو اما ان يطبق مقولة في الهزيمة الغنيمة واما ان يصاب بعقد نفسية تجعل من عمله في المؤسسة جحيما ...."

أن أكثر مدارس القيادة التي لاقت رواجا تنص على أن القيادة سلوك و ليس مثلما كان يعتقد سابقا أي وراثة كما كانت النظريات و التفسيرات التقليدية تدعي و على رأسها "الكاريزما". فاذا أسلمنا بان القيادة سلوك اذا لنا حسب نظريات التعلم أن نستنتج بأن القيادة يمكن أن "تُدرب" أي يعني ذلك يمكننا أن نصنع قادة (مع بعض التحفظات في هذا الشأن تدخل ضمن الفروقات الفردية الذهنية للافراد). على كل, يقصد من كلامي أنك اذا أردت أن تتأكد من ان التدريب كان ناجحا فان الدالة على ذلك هو التغير في السلوك و الاخيرة قابلة للقياس والتقنين.

أما فيما يخص التعلم من المجتمعات الاخرى بشكل عام, فأنا أتفق مع طرحك يا سيدي وأن كنت تسألني فباعتقادي المتواضع أن ما يبرر حالة التراجع أو ما تسمى علميا "بالنكوص"عن ماتعلمه الفرد و خصوصا المغترب بعد عودته و مع أحترامي للكثير منهم, أن أغلب الذين أختلطوا ببيئات تختلف عن بيئاتهم في الخارج طلبة كانوا أو تجاراً أو موظفون أوغيرهم نعم كانوا منفتحين على ومعجيبن بثقافة غيرهم لكن ليس الا. فقد رأيناهم يأتون أثر عودتهم الى الوطن ليحكوا لنا عن ما شاهدوه في بلاد الغرب ونحن عبادالله نستمع اليهم و أفواهنا مفتوحة ووجوهنا مشدوهة كاننا نستمع الى قصص الف ليلة و ليلة لكن... لم نسالهم قط لماذا لم يصبحوا هم يوما شهريار أو شهرزاد!

برأيي ان أغلب المغتربين من بلادنا لم يكونوا مشروعا حقيقيا لتغير ذواتهم بقدر ما تغيير عناوينهم الوظيفية أو العلمية أو أوضاعهم المادية أو السياسية وربما لهذه الظاهرة مبرراتها الموضوعية و تستحق البحث فيها لكني أرى أنها لا تخلوا من الكثير من الاسباب الذاتية أيضا! ربما لم يأخذوا الكثير أو لم يكونوا قادرين على ملامسة و من ثم أحتواء ما هو جيد من الاخرين ثم جعل ما عايشوه جزء راسخ من منظومتهم القيمية بعد توليفها طبعا كي تصبح أخيراً دافعا لسلوكيات جديدة لم يختبروها في بيئاتهم و أقصد بها هنا موضوعة نقاشنا أي القيادة الرؤيوية كمثال لممارسات في مجتمعات معنية نظّرت لتلك الممارسات ثم طبقتها.
وهكذا تدور عجلة النمو دورة أخرى في مجتمعاتنا النامية الاَمنة!

تحيات تنموية.
د.هيژا سندي

زميل كلية ماكسويل للمواطنة وشؤون العامة.
أب 2013

No comments:

Post a Comment